بينما كنت اجلس مع مجموعة من أصدقائي وكان الحديث يدور حول مباراة الأهلي والنجم الساحلي في نهائي دوري أبطال إفريقيا وفرص كل فريق في الفوز باللقاء وأين سنشاهد المباراة ... وغيرها من الأحاديث التي تسبق مثل هذه المباريات الهامة، قال احد المشاركين في الحوار " فريق النجم دا فريق جامد .. أنا بحب الفريق دا علشان بيلعب كرة حلوة .. أنا هاشجع النجم".
بالطبع لم يكد صديقي هذا أن ينتهي من كلامه حتى قوبل بطوفان من الاتهامات بأنه "زملكاوي حاقد"، بينما اتهمه البعض الأخر بأنه " مش مصري وانه خاين يتخلى عن بلده التي ربته وعلمته......."، بينما قال له أحد الجالسين " يا عم كرة حلوة إيه .. الأهلي هو الحاجة الوحيدة اللي بتفرحنا في البلد دي".
انصرفت عنهم وقمت وأنا اعرف مصير صديقي هذا وما سيحدث له، ولكن ذلك دفعني إلى التفكير في الهدف الحقيقي من مشاهدة لعبة كرة القدم. وهل الهدف من مشاهدة كرة القدم هو مساندة فريق بلدك أو الفريق الذي تشجعه بغض النظر عن ما إذا كان هذا الفريق يقدم كرة قدم جميلة أم لا؟ هل هي حرب عالمية جديدة حتى يتهم البعض الأخر بالخيانة؟ أم هي مباراة كرة قدم يتبارى فيها فريقين ليقدما واحدة من الفنون الجملية حتى يتمتع المشاهدين مثلها مثل الموسيقى وغيرها من الفنون التي تهدف إلي إمتاع المشاهد؟.
هل الهدف من مشاهدة كرة القدم هو فقط الفرحة عندما أشاهد فريقي المفضل يحصل على لقب بطولة ما؟ ولماذا أكون سعيد بذلك؟ هل أنا الذي سأحصل على كأس البطولة؟ آم أني سوف احصل على مكافأة الفوز مثلي مثل لاعبي الفريق الفائز؟.
هل هي مكيافيلية كروية نسعى من خلالها إلي تحقيق الفوز بغض النظر عن الوسيلة في تحقيق هذا الفوز والذي أحيانا ما يكون نتاج خطأ تحكيمي أو ضربة حظ أو حتى مساندة مجنونة من جماهير بسيطة لا تبحث عن متعة المشاهدة الكروية بقدر ما تبحث عن فرحة تخرجها من ظروف الإحباط الموجودة في جميع مظاهر الحياة المحيطة بها؟.
ثم إذا كان الهدف من مشاهدة كرة القدم هو مساندة فريق بلدي بغض النظر عن مستوى الكرة التي يقدمها، لماذا إذا نحرص جميعا على مشاهدة منتخب ولاعبي البرازيل؟ هل لأننا نتمتع بالكرة المهارية الجميلة التي يقدمونها؟ أم لأننا جميعا لنا أصول برازيلية هي التي تجعلنا نحرص على مشاهدة أي مباراة لفريق البرازيل ونفضله على كل الفرق الأخرى؟.
لماذا يتهمون صديقي بالخيانة لبلده؟ ولماذا الخلط بين الرياضة والخيانة الوطنية؟ هل أصبحت لعبة كرة القدم التي تهدف في الأصل إلي إمتاع المشاهد وزيادة التعارف بين الشعوب .. وسيلة لاتهام البعض للآخرين بالخيانة؟ ثم هل يعتبر المدربين اللذين يدربون فرق ومنتخبات غير منتخبات بلدهم، بل وأحيانا يواجهون منتخبات بلادهم ويحققون الفوز على هذه المنتخبات .. هل هؤلاء المدربين خائنون لبلادهم؟.
هل نبذ التعصب يكون عن طريق أن نساند جميعا اي فريق يلعب باسم بلدنا سواء أكنا مقتنعين بمستوى هذا الفريق أم لا وسواء كان هذا الفريق يقدم كرة جملية أم انه يفوز لان لاعبوه يجتهدون فقط .. ويقدمون كرة حديثة لا تعتمد على المهارة وغيره من الكلام الذي نسمعه ونردده ونحن لا ندري معناه في الأصل؟.
أم أن نبذ التعصب يكون عن طريق تشجيع الفريق الذي يقدم كرة جملية بغض النظر عن انتمائتنا؟ فكثيرا ما نسمع البعض يردد " أنا بشجع اللعبة الحلوة" وهو ما يعني انه يشاهد كرة القدم من اجل المتعة فقط وهو ما اعتقد انه أفضل وسيلة لمقاومة التعصب، فدائما ما نجد أن صاحب هذه المقولة بعيد كل البعد عن التعصب.
قررت بعض كل هذه الأفكار التي دارت بداخلي أن اذهب إلي أصدقائي وان أحاول أن اشرح لهم وجهة نظري وانه من حق أي احد أن يشجع أي فريق يري انه يقدم كرة قدم جميلة، فقد يري احد التوانسة أن الأهلي يقدم كرة أفضل من التي يقدمها النجم وبالتالي سيشجع الأهلي وهذا حقه كما أن ذلك لا يعني انه خائن لبلده تونس.
ولكني عندما اقتربت منهم ورأيت مصير صديقي الذي كان ينوي تشجيع النجم قررت أن أتراجع عن هذه الأفكار الانتحارية بل ورددت علي الفور " إحنا مصريين ولازم كلنا نشجع الأهلي".